المجتمع الإسلامي بنيوزيلندا: تاريخ موجز

  • 2019-Aug-28

يوجد حاليًا في نيوزيلندا، وفق إحصاء رسمي صادر في عام 2013، 47799 مسلمًا: حوالي 21% منهم ولدوا في منطقة جزر المحيط الهادئ و25% في نيوزيلندا و23% في إفريقيا والشرق الأوسط و26% في منطقة آسيا، وقد أظهرت هذه الإحصاءات أن ما يزيد عن 32000 مسلم يقيمون في مدينة أوكلاند وأن ما يزيد عن 20000 مسلم في نيوزيلندا محددة هويتهم أنهم آسيويون. أعتقد أنه يمكن معرفة الكثير من خلال دراسة تاريخ المسلمين في نيوزيلندا، فمنذ تسعينات القرن الماضي توسعت أقلية صغيرة جدًا من المسلمين في نيوزيلندا بسرعة وأصبحت أكثر تنوعًا من حيث التركيب والانتشار الجغرافي.


لم يولِّد الخطاب السياسي والردود السياسية السائدة على هذه المجتمعات الإسلامية المتشابكة الكراهية ضد الإسلام الذي صار ملموسًا في منطقة أمريكا الشمالية أو في عدد من المجتمعات الأوروبية. لم يكن رد حكومة نيوزيلندا إزاء المسلمين مجرد تجاهل بسيط لكنه كان تجاهلاً جليًا، في المقابل فإنه يبدو أن المسلمين عاشوا بطريقة تتحاشى الظهور أو لفت الأنظار إلى حد ما، يواجه المسلمون بنيوزيلندا عددًا من الصعوبات في اختيار الإقامة داخل بلد غربي ظاهريًا. تدور إحدى هذه القضايا الأساسية لهذا الاندماج متعدد الأديان حول مسألة وضعهم داخل مجتمع مركب ومتطور.


كان البحارة الآسيويون أول المسلمين الذين زاروا نيوزيلندا وبحارة شبه القارة الهندية الذين كانوا يعملون على متن سفن أوروبية، ثم انطلق رجلان مسلمان من الهند في جولة بساحل نورثلاند في ديسمبر 1769 على متن سفينة فرنسية يُطلق عليها اسم سان جان بابتيست، وعقب هذه الرحلة، انطلقت العديد من سفن شركة الهند الشرقية تحمل على متنها طواقم بحارة من شبه القارة الهندية وجنود السيبو لزيارة نيوزيلندا.



وصلت أول أسرة مسلمة إلى نيوزيلندا في إبريل 1854 للإقامة الدائمة عندما دخل وزيرا وعائلته ميناء ليتيلتون واستقروا في كشمير، في إقليم كانتربيري، وقد استعان السير جون كراكروفت ويلسون بوزيرا وأبنائه، ثم عمل وزيرا بعد ذلك في نقل الحجارة من ورت هيلز إلى كاتدرائية كريستتشيرش الإنجيلية عندما كانت قيد الإنشاء. توفي وزيرا في عام 1902 ودُفن في سيدنهام، كريستتشيرش.



ومن تسعينيات القرن التاسع عشر بدأ رجال من منطقتي البنجاب وغوجارات يتوافدون سعيًا وراء فرص العمل وبعد ثلاثينيات القرن العشرين شرع بعض هؤلاء الرجال (أو أبناؤهم) في استقدام زوجاتهم وأطفالهم. وفي عام 1950 شُكِّلت أول منظمة إسلامية في هذا البلد أُطلق علبها "رابطة المسلمين في نيوزيلندا" في مدينة أوكلاند، وصل عدد المسلمين خلال هذه الفترة إلى حوالي 200 فرد في البلد بأكملها، وفي عام 1951 حمل قارب اللاجئين غويا العشرات من المسلمين الفارّين من أوروبا الشرقية إلى ويلينغتون، وفي عام 1954 استطاع أفدو موسوفيتش من البحر الأسود (1919-2001) أن يهرع إلى سفينة في أوكلاند مطالبًا باللجوء السياسي. أصبح موسوفيتش مشاركًا في اللجنة التنفيذية لرابطة المسلمين في نيوزيلندا حتى عام 1981، وفي عام 1959 أسس عاكف كيسكن (1923-1991) من مقدونيا أول مطعم تركي في جميع أنحاء نيوزيلندا وفي دنيدن. تمكنت رابطة المسلمين في نيوزيلندا في العام ذاته من شراء عقار ليكون مركزًا إسلاميًا وفي العام التالي وصل مولانا أحمد سعيد موسى باتل (1937-2009) من ولاية غوجارات للعمل ليكون أول إمام رسمي. أسست الرابطة أول مسجد مشيَّد لهذا الغرض في نيوزيلندا خلال 1979-1980 في مدينة بونسونبي، وسط أوكلاند.

 

خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان هناك تدفق للمهاجرين واللاجئين والطلاب الهنود من شرق أوروبا وآسيا وجمهورية جزر فيجي، حيث ساهموا في إنشاء منظمات إسلامية جديدة عبر المدن والمناطق الرئيسية.

وفي عام 1979، كان هناك حوالي 2000 مسلم في جميع أنحاء نيوزيلندا، واجتمع وكلاء مختلف الجمعيات الإسلامية لإنشاء منظمة إسلامية وطنية لتنسيق الشؤون المجتمعية على مستوى الدولة. وفي شهر أبريل 1979، تم إنشاء "اتحاد الجمعيات الإسلامية في نيوزيلندا" وتم تعيين لاجئ ألباني من كوسوفا كأول رئيس للاتحاد. وبعد ذلك، في عام 1982، وصل الشيخ خالد كمال عبد الحفيظ (1938-1999) من الهند ليكون إمامًا في مدينة ويلينغتون، وسرعان ما أصبح كبير المستشارين الشرعيين في الاتحاد. وفي عام 1984، أبرم الاتحاد أول عقد سنوي للحوم الحلال مع "مجلس منتجي اللحوم النيوزيلندي".


كما قام "اتحاد المسلمين بمقاطعه كانتربري" ببناء أول مسجد لهذا الغرض في الجزيرة الجنوبية من البلاد خلال الفترة من عام 1984 إلى 1985. وفي عام 2004، استضاف الاتحاد "المؤتمر القومي لمعتنقي الدين الاسلامي"، كما تم تسجيل "رابطة مسلمي أوتاجو" رسميًا في يوليو 1995 و"رابطة مسلمي ساوثلاند" في أبريل 2008.



في التحليل النهائي، يعد التعرف بشكل أكبر على دور المسلمين في تاريخ نيوزيلندا أمرًا حيويًا لإحراز أي تقدم نحو التطلعات المجتمعية الإيجابية في القرن الحادي والعشرين، وخاصة تلك المبنية على أساس أخلاقي ومبادئ قيمة. كما أن متابعة الأسئلة التي طرحتها في هذا المقال حول تاريخ المسلمين النيوزيلنديين، قد يثير فضول بعض القيادات المجتمعية المسلمة؛ حيث تؤدي هذه الألغاز والعقبات الفكرية الهائلة إلى إحداث تضاربًا لاهوتيًا قد يكون مقلقًا للغاية ومرعبًا حتى بالنسبة للبعض. فعندما يتزعزع اليقين في وجهات نظرنا حول الماضي ومكانتنا داخل التقاليد الإسلامية، فما الذي بقي لدينا؟ وكيف يمكننا التقدم للأمام؟

تاريخياً، أعتقد أن الإسلام فتح للعديد من الناس الطريق نحو ثقافة أفضل، كما منح المؤمنين تعليماً ونموذجًا إنسانياً يجعل المسلم الملتزم بتعاليم دينه من أكثر الظواهر النبيلة في هذا العالم الفوضوي حتى يومنا هذا. لقد كان مسلمو نيوزيلندا يشكلون جزءًا من المكونات الضئيلة ضمن المجموعات العرقية والدينية المعقدة في هذا البلد منذ أكثر من 150 عام ولكنهم تفاعلوا جيدًا مع السكان (والمؤسسات) بشكل أوسع. وقدم المسلمون المحليون والمهاجرون اسهامات وبذلوا جهودًا كبيرة أدت إلى إخفاء التفكير الناقد أو تجاهله أو اعتباره غير صحيح.



كتبه/ عبد الله دروري

محرر، بدورية Waikato Islamic Studies Review



لمزيد من المعلومات، راجع: عبد الله دروري، "Mahometans on the Edge of Colonial Empire Antipodean Experiences" في الإسلام والعلاقات المسيحية الإسلامية، المجلد 29، العدد 1، الصفحات 71-87.

شيبارد وليام، "New Zealand’s Muslims and Their Organisations"، مجلة نيوزيلندا للدراسات الآسيوية، المجلد 8، العدد 2 (ديسمبر، 2006)، الصفحات 8-44.

اشترك

اشترك في القائمة البريدية لتبقى علي تواصل دائم معنا